المملكة وفرنسا- شراكةٌ لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في فلسطين

المؤلف: نجيب يماني08.21.2025
المملكة وفرنسا- شراكةٌ لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في فلسطين

على غرار نهج "الكبار" من ذوي الفطنة والرأي السديد، الذين يسمون بأنفسهم عن "الصغائر"، ويتعالون عما يشين وينتقص، ويتجاهلون تجاوزات "الصغار" الذين يقذفون الآخرين بوابل من الاتهامات الظالمة المهينة، والكلام الساقط الرخيص البذيء.

بهذا المنوال سارت المملكة العربية السعودية، لتستحث همة العالم أجمع في إطار "الأمم المتحدة"، وتجمع شتات صوتها الخافت بحق، والمضمر بالتأييد المتوار للقضية الفلسطينية، فتبادر المملكة، بوعي وبصيرة قيادتها الرشيدة الحكيمة، وتصدر هذا المشهد، وترفع الصوت عاليًا بالشراكة مع فرنسا في مؤتمر يهدف إلى حل الدولتين، ليشتد ويتعاظم التأييد لما تضمنته الوثيقة الختامية للمؤتمر من بنود جوهرية.

لقد أعلت المملكة صوت الحق، ورسمت مسارًا واضحًا يتسم بالمنطقية والمعقولية، بعيدًا عن صخب الشعارات الديماجوجية الفارغة، أو التراخي والتفريط في متطلبات القضية الأكثر عدالة التي عرفتها الإنسانية في حاضرها المعيش.

ما أروع كلمات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وهو يصيغ الوصف الأمثل للوثيقة "بالقول" إن هذه المخرجات تجسد مقترحات شاملة عبر المحاور السياسية والإنسانية والأمنية والاقتصادية والقانونية والسردية الإستراتيجية، وتشكل إطارًا متكاملًا وقابلًا للتنفيذ من أجل تطبيق حل الدولتين، وتحقيق السلم والأمن المنشودين للجميع.

لهذا لاقى المؤتمر تأييدًا واسعًا، واتفاقًا كبيرًا، على حتمية وضرورة العمل المشترك لإنهاء الحرب الدائرة في غزة والتوصل إلى تسوية عادلة وسلمية ودائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك بناءً على التطبيق الفعال لحل الدولتين، وبناء مستقبل مزدهر للفلسطينيين والإسرائيليين وجميع شعوب المنطقة قاطبة.

كما تجلت بوادر النجاح للمؤتمر في تتابع المبادرات المبهجة من دول العالم كافة، وبخاصة الدول الأوروبية، وكندا ومالطا، التي أشادت بهذه الخطوات الإيجابية للمملكة في بيان وزارة الخارجية، مؤكدة توافق المجتمع الدولي على ضرورة إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ومجددة الدعوة لبقية الدول لاتخاذ مثل هذه الخطوات الجادة الداعية للسلام، ومعلنة عن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين قبل انتهاء أعمال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، وهو نفس الهدف الذي سعت إليه المملكة بدأب وتخطيط متأنٍ وبصيرة نافذة.

وقد أوضح ذلك ولي العهد الأمين، وجاهر به بصوت جهوري في "القمة العربية الإسلامية غير العادية"، التي استضافتها الرياض عاصمة المملكة، حين قال -حفظه الله- لقد اتخذت دولنا خطوات جوهرية عبر تحركها المتضافر على الصعيد الدولي لإدانة العدوان الإسرائيلي الآثم وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية. ولقد وفقنا في حثّ المزيد من الدول المحبة للسلام للاعتراف بدولة فلسطين، وحشدنا للاجتماع الدولي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما تجسد في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية.

كما أطلقنا التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومملكة النرويج، التي استضافت المملكة مؤخرًا اجتماعها الأول، وندعو بقية الدول للانضمام إلى هذا التحالف المثمر.

وهكذا يمكنك أن تتبين موقف المملكة الثابت الراسخ، وتدرك أن ما قامت به في هذا المؤتمر يستحق التقدير والثناء، باعتباره جزءًا من سياستها المتواصلة، ويمثل فرصة لتقدير الجهود الاستثنائية، والعمل الدبلوماسي الرفيع الذي قامت به، وتولت زمامه قيادتها الرشيدة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، حفظهما الله، معززة بهذا المؤتمر روح الجهد الأممي الجماعي، وجعلت الصوت العربي الأصيل، والعاقل، والمتزن، رديفًا للصوت الأوروبي في أبهى صور التفاعل الدولي، وذلك إنفاذًا لمقترح حل الدولتين، الذي أعلنت عنه المملكة منذ (23) عامًا في العاصمة اللبنانية بيروت إبان القمة العربية، وليأتي هذا المؤتمر مراعيًا للمتغيرات، وآخذًا في الاعتبار ما طرأ من تطورات جمة، ليعيد الأمل في تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، راسِمًا خارطة طريق واضحة المعالم، وفق إطار زمني محدد، بأهداف جلية، وتقديرات صائبة، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في العيش بكرامة على أرضه، ويضمن السلام والأمن والعدل على المستوى الإقليمي والعالمي على حد سواء، وهو ما يمكن اعتباره "لحظة تاريخية فارقة"، بكل ما تحمله هذه العبارة من معانٍ، نظرًا لما حظي به من تحشيد وتأييد رفيع المستوى.

نعم؛ لن يمتنع "الصغار" عن انتقاد مواقف المملكة وقيادتها بأدوات تشويه الحقائق، وإطلاق الاتهامات جزافًا، والتشكيك في مخرجات هذا المؤتمر، ونتائج أي خطوة "عاقلة" في ملف هذه القضية العادلة.

هذا هو سلوكهم، وتلك هي طبيعتهم التي خبرناها، وعرفنا نتائجها، بتغليبهم المتهور لروح المغامرات الطائشة، والزج بالشعب الفلسطيني في أتون ومحرقة العنف والعنف المضاد، وإذكاء الفتن الكامنة، لصالح الأجندات الخارجية، ورهن الشعب الفلسطيني بأسره وقضيته العادلة من أجل مصالحهم الضيقة.

فقد آن الأوان لهم أن يفهموا ويدركوا ما تقوم به المملكة من جهد يتجاوز حدود تفكيرهم المحدود، وأن يعوا أن موقف قيادتها، على مر العصور والأزمنة، ظل وفيًا للقضية الفلسطينية، ومُعليًا لصوتها في جميع المحافل الدولية، برجاحة العقل، واستنارة الرؤية، وعمق الفهم، فالفارق كبير، والمسافة شاسعة، بين عقل يفكر بمنطق راسخ، ويزن الأمور بحكمة بالغة، وبين من يجعل ثورة العواطف، واشتعال الأعصاب، وديماجوجية الخطاب، وتعصب الطرح؛ وسائله لتحقيق غاياته، دون أن يمتلك غيرها في ساحة النزال، ومعرض الدفاع، وميدان القتال، فليكف "الصغار" عن سفاسفهم، وليتركوا "الكبار" لإنجاز ما عليهم من جسيم المسؤولية، فهم بها أَجْدَر، وعليها أَقْدَر بإذن الله.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة